لقد اخترت ان أساهم بهذا البحث عن والدة الرسول
صلى الله عليه وسلم ، هذه الانسانة التي اختارها الله سبحانه وتعالى ، واصطفاها
لتكون والدة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فكانت بذلك تحمل النور الذي اضاء
للعالم ، وهذا النور ظل ينتقل من الاصلاب الطاهرة الى الأرحام الزكية ، حتى وصل
الى أمه وأبيه صلى الله عليه وسلم .
وحين اراد الله لهذا النور ان يظهر للوجودكانت حادثة الفداء للذبيح
عبد الله بأمر الله وتدبير الله وكان ذلك الحدث مدخلا لالتقاء فرعي الدوحة القرشية
بني زهرة وبني عبد مناف سدنة البيت الحرام وجيرانه بخطبة آمنة بنت وهب الزهرية
لعبد الله بن عبد المطلبليتحقق موعود الله باصطفاء عبد الله بن عبد المطلب وآمنة
بنت وهبقرارا لخير نسمة برأها الله في الوجود.ولينالا شرف أكرم أبوة وأطهر أمومة
لخير مولود عرفته الحياة صلى الله عليه وسلم .
وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن طهارة آبائه وأمهاته حيث قال :
" لم أزل أتتنقل من الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الزاكيات حتى ولدت من آمنة
وعبد الله" والكافر لا يوصف بالطهارة أبدا بنص القرآن الكريم {
إنما المشركون نجس} { فأعرضوا عنهم إنهم رجس } .
وقال تعالى : { وتقلبك في الساجدين } فنوره صلى الله عليه وسلم
ينتقل من صلب طاهر إلي رحم زكي ، حتى وصل إلي عبد الله وآمنة ، وفي هذا توضيح لكل
ذي بصيرة أن الله اختار لحبيبه صلى الله عليه وسلم أشرف الآباء ، وأطهر الأمهات ،
فأشرف الآباء آباؤه ، وأشرف الأمهات أمهاته من لدن آدم وحواء ، إلي عبد الله وآمنة
، لم يدنسوا بشرك ، ولا زنا ، ولا سفاح .
بل اختار له أفضل العشائر ، وأكرم القبائل ، وأشهر الفصائل، فأفضل
العشائر عشيرته ، وأكرم القبائل قبيلته ، وأشهر الفصائل فصيلته ، وذلك شأن
الأنبياء والمرسلين يبعثون في أنساب قومهم ، كما ورد في حوار هرقل مع أبي سفيان
الذي روته الأحاديث الصحاح . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله اصطفى
كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشًا من كنانة ، واصطفى من قريش بنى هاشم
واصطفاني من بنى هاشم ، فأنا خيار من خيار من خيار " . وقال صلى
الله عليه وسلم : " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح " "من لدن
آدم الى أن ولدني أبي وأمي ، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء " ، وقال
صلى الله عليه وسلم : " ان الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم ، من خير قرنهم ،
ثم تخير القبائل فجعلني في خير قبيلة ، ثم تخير البيوت فجعلني في خير بيوتهم ،
فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا " ، وروى ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ماولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم ، ولم
تنازعني الأمم كابرا عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب هاشم وزهرة
"
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه : ما تشعبت شعبتان إلا كنت
في خيرهما " كما سبق في الحديث المتقدم ، فنحن إذ نتكلم عن أمه الشريفة
، إنما نعرض جزءاً من بيان هذه الخيرة ، وذلك الاصطفاء ، تصديقا لخبر الله على
لسان رسوله الذى " لا ينطق عن الهوى " .
انها آمنة بنت وهب
هذه السيدة هي سليلة اسرة قرشية كريمة ، ولدت في مكة ، بجوار البيت
العتيق ، في أم القرى ، بكل ما يعرف لهذه البلدة من حرمات عريقة ، ولأب كريم وجد
عظيم ، وفي بيئة تعرف ماله من حسب ونسب وأرومة ، ومن سيدة هي من أفاضل قريش نسبا
وموضعا .أبوها وهب بن عبد مناف سيد بني زهرة بن كلاب ( حكيم ) يجتمع نسبها مع
النبي في كلاب ، واسم ابي النبي عبد الله بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ،
وجدها عبد مناف يقرن اسمه بابن عمه عبد مناف بن قصي جد النبي صلى الله عليه وسلم ،
فيقال : المنافان ، تعظيماً وتكريماً ، ومن ينظر في نسب
السيدة آمنة يلاحظ ان هذا النسب من ناحية أمها ايضا ذو عراقة وأصل أصيل ، فهي ابنة
برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب ، وجدتها لأمها أم حبيب
بنت أسد بن عبد العزى بن قصي ، ووالدة أم حبيب هي برة بنت عوف ، يصل نسبها الى لؤي
بن غالب بن فهر .
فآمنة من ناحية أمها ومن ناحية أبيها من سلالة طيبة طاهرة وأصل
أصيل ، ونسب يعتز به ، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم : " لم يزل الله ينقلني
من الأصلاب الطيبة الى الأرحام الطاهرة مهذبا لاتتشعب شعبتان الا كنت في خيرهما
" .
وذكر القاضي عياض في كتاب الشفا ، في فصل كرامة نسبه صلى الله عليه
وسلم ، كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه واثلة
بن الأسقع ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ان الله اصطفى
كنانة من ولد اسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ،
واصطفاني من بني هاشم " . انه نسب كريم ، وأصل طيب طاهر
.
ومن يتتبع سيرة هذه السيدة يجد أنها كانت زهرة يانعة ، وسيدة في
بني زهرة وكما قال ابن اسحق ، كانت يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً ، ولم
يخطبها عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ، وانما الذي تقدم لخطبتها هو أبوه
عبد المطلب ابن هاشم ، وهو من هو في قريش شرفاً وقيادة وريادة ، وأمه فاطمة بنت
عمرو المخزومية ، وهي ايضا من صميم البيت القرشي ، وجدته لأبيه سلمى بنت عمرو
النجارية الخزرجية ، وهذه السيدة كان لها شأن عظيم ، فقد كانت لاتنكح الرجال
لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها ن أمرها بيدها ، فاذا كرهت رجلا فارقته . اما
جدته لأمه فهي تخمر بنت عبد قصي القرشية ، وأمها سلمى بنت عامرة بنت وديع الفهري ،
فهذا الفتى كما جاء ذو شأن عظيم ، وأصل كريم ، كما جاء في جمهرة أنساب العرب : ذو
نسب وأصل كذلك ، وخاصة في شأن مكة وضيوف مكة وبيت الله العتيق وزمزم
.
المستقر والمستودع
وعندما نتتبع وضع السيدة آمنة نجد ان النبي صلى الله عليه وسلم هو
بضعة أمه ، والبضعة هي قطعة من الانسان ، والولد جزء من أمه وأبيه ، وقال صلى الله
عليه وسلم : " أنا خيار من خيار " يشير الى انه ومن انجبوه قد اصطفاهم
الله لهذا النسب الطاهر.
فهو اذا انسان كريم ونبي عظيم ، اختاره الله واصطفاه من كنانة من
ولد اسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاه من بني
هاشم ، وهذا تفسير الحديث : " انا خيار من خيار " .
واذا نظرنا في المستودع الذي اودع الله سبحانه وتعالى فيه هذا
النبي الكريم والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ، نلاحظ انه أصل طاهر وهذا من
الأمور التي لاتحتاج الى دليل ، فهو كما جاء معنا : نخبة من بني هاشم وسلالة قريش
، وأشرف العرب وأعزهم نفرا ، سواء من قبل أبيه او أمه ، وهو مولود في مكة المكرمة
، ومن اهل مكة المكرمة : ( واعداؤه صلى الله عليه وسلم يشهدون له بذلك ،
ولهذا شهد له به أبو سفيان بن حرب ـ قبل اسلامه ـ بين يدي ملك الروم ، وكان
بينه وبين النبي يومذاك حروب ، وبلغ أبا سفيان ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج
أم حبيبة بنت أبي سفيان . قال : نعم الفحل لايقرع أنفه ، وكان مسرورا جدا بذلك مع
انه كان بينه وبين النبي حرب ، ولكنه لم يرتفع له سيف بعد ذلك ضد الرسول صلى الله
عليه وسلم .فأشرف القوم قومه ، واشرف القبائل قبيلته ، وأشرف الأفخاذ فخذه صلى
الله عليه وسلم .قال الله سبحانه وتعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته }وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في
قوله تعالى : { وتقلبك في الساجدين } قال من صلب نبي الى صلب نبي حتى صرت
نبيا .وعن عطاء عنه في الآية قال : " مازال نبي الله صلى الله عليه وسلم
يتقلب في اصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه " وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت من خير قرون بني آدم قرنا
فقرنا حتى كنت في القرن الذي كنت فيه " )(وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال جبريل قلبت مشارق الأرض ومغاربها
فلم أجد افضل من محمد ، ولم أجد بني أب افضل من بني هاشم " وعن جعفر بن محمد
عن أبيه ـ معضلا ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني
جبريل فقال : يامحمد ان الله يعثني فطفت شرق الأرض وغربها ،
وسهلها وجبلها فلم أجد حيا خيرا من مضر . ثم أمرني فطفت في مضر فلم أجد حيا خيرا
من كنانة ، ثم أمرني فطفت في كنانة فلم أجد حيا خيرا من قريش ، ثم أمرني فطفت في
قريش فلم أجد حيا خيرا من بني هاشم ، ثم أمرني ان اختار في أنفسهم فلم اجد نفسا
خيرا من نفسك "وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " ماولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم ، ولم تزل
تنازعني الأمم كابرا عن كابرا حتى خرجت من أفضل حيين في العرب : هاشم وزهرة
"وعن انس رضي الله تعالى عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لقد جاءكم رسول من أنفسكم " بفتح الفاء وقال : " أنا انفسكم نسبا
وصهرا وحسبا ، ليس في آبائي من لدن آدم سفاح ، كلنا نكاح "( وعن ابن عباس رضي
الله تعالى عنهما قال : ان قريشا ( أي المسعدة بالاسلام ) كانت
نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم صلى الله عليه وسلم بألفي عام يسبح ذلك
النور وتسبح الملائكة بتسبيحه ، فلما خلق الله آدم القى ذلك النور في صلبه . قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأهبطني الله تعالى الى الأرض في صلب آدم ، وجعلني
في صلب نوح ، وقذف بي في صلب ابراهيم ، فلم يزل ينقلني من الأصلاب الكريمة
والأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط )وعن ابن عباس رضي
الله عنهماان النبي عليه الصلاة والسلام قال ـ كما رواه أبو عمر العدني ـ : "
لما خلق الله آدم أهبطني في صلبه إلى الأرض ، وجعلني في صلب نوح في السفينة ، وقذف
بي في النار في صلب إبراهيم ، ثم لم يزل ينقلني في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام
الطاهرة ، ثم أخرجني بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط ".
الزواج المبارك
اختار عبد المطلب وهو شيخ قريش وأعلمها بأنسابها عروسا لابنه ، وهي
، فتاة من بيت زهرة ، هي السيدة آمنة بنت وهب ، وهي أكرم فتاة فى قريش ، إذ هي من
بني زهرة بن كلاب شقيق قصي ، وهما أشرف أصول قريش ، وأبوها وهب بن عبد مناف سيد
زهرة شرفا وحسبا ، وأمها من بني عبد الدار ، فهي من صفوة قريش أبا وأما .. فأما
الزوج فهو ا بنه عبد الله بن عبد المطلب ، فهما صفوة الصفوة من قريش كما مر معنا
في قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى
الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما "
.وربما كانت العروس ترنو من بعيد بروحها وقلبها إلى ابن عمها عبد الله بن عبد
المطلب ، أجمل فتيان قريش وأكرمهم ، ومن البديهي أن يخفق قلبها خوفا ويمتلئ الصدر
شجنا حين ملأ النبأ أرجاء مكة بأن عبد المطلب سيفي بنذره ويذبح أحب أبنائه إليه.
ثم كان الفداء، وكانت نجاة عبد الله من الذبح ، وضجت مكة المكرمة فرحا بالنبأ
السعيد ، وامتلأ قلب آمنة بالرضا والسعادة .وما إن فرغ عبد المطلب من نحر الإبل
حتى توجه مع جماعة من وجوه بني هاشم إلى بيت سيد بني زهرة وهب بن عبد مناف ، وإلى
يمينه ولده الغالي عبد الله ، وتساءلت آمنة : فيم مجئ وفد بني هاشم ؟ ودخلت أمها برة لتزف
إليها النبأ ودخل أبوها وهب ليقول في رقة : إن شيخ بني هاشم قد جاء ليطلبك زوجة
لابنه عبد الله ، وعاد من فوره إلى ضيفه الكريم ، وترك آمنة في سرور بالغ وحبور
تاهت به الدنيا جذلا . إذن لقد اختارها رب العالمين لتكون زوجا لفتى بني هاشم الذي
امتلأ وجدان أهل مكة حبا له وتعلقا به ، وها هو ذا القلب الطاهر يخفق عاليا من اثر
المفاجأة التي حققت حلمها بسرعة لم تكن تتوقعها ، وأراحت صدرها على صدر أمها برة
لتستمد السكينة من حنانها .وتسامعت مكة المكرمة بهذه الأنباء ، فاستعدت للاحتفال
بزفاف العروسين النبيلين أفضل فتى في قريش ومكة المكرمة ، إلى أطهر وأكرم
فتاة في الدنيا ، وأضيئت المشاعل في أرجاء الحرم الآمن ، وحفلت دار الندوة بوجوه
قريش وسادتها ، واستمرت الأفراح ثلاثة أيام بلياليها ، وانتقلت إلى دار زوجها
الحبيب ، دار بسيطة لكنها مع الحبيب أجمل من قصور الدنيا كلها .وروى عن عبد
المطلب أنه قال : خرجت إلى اليمن في رحلة الشتاء ، فنزلت على رجل من اليهود يقرأ
الزبور ، فقال : يا عبد المطلب أتأذن لي أن انظر إلى بعض جسدك ؟ قلت : نعم ما لم يكن
عورة . فنظر في منخري فقال : أجد في أحد منخريك مُلْكًا وفي الآخر نبوة ، فهل لك
من شاعة ؟ قلت : وما الشاعة ؟ قال : الزوجة . قلت أما اليوم فلا . قال : فإذا قدمت
مكة فتزوج . فقدم عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ، فولدت له
حمزة وصفية . ثم تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب ، فولدت رسول الله صلى
الله عليه وسلم . فكانت قريش تقول : فلج عبد الله علي أبيه .وفي رواية أخرى
أنه قال : وفي الآخر نبوة وإنا نجد ذلك في بني زهرة فإذا رجعت فتزوج فيهم
.ومع شرف نسبها كانت على خلق وتواضع ، دل على ذلك وصفه صلى الله عليه وسلم لها ،
ففي الحديث عن ابي مسعود البدري رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم
رجل فكلمه ، فجعل ترعد فرائصه ،
فقال له : " هون عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل
القديد " وهو اللحم المجفف ، وهذا تواضع منه صلى الله عليه وسلم مبينا
تواضع أمه ومكانتها.هذا هو الزوج ، وهذه هي الزوجة ، وقد تم الزواج الذي ظل النبي
صلى الله عليه وسلم يذكره متواضعا ومبينا منزلة أمه ومكانتها وشرف نسبه اليها بأنه
ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ، فهو تراه ينتسب لأمه تارة ، وأخرى ينتسب
لجده مبينا فضله ومكانته ، كما جاء معنا يوم كان يقول : " انا ابن الفواطم
والعواتك" ."أنا محمد بن عبد الله الخ .. وخرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم حتى
انتهيت الى أبي وأمي فأنا خيركم نسبا وخيركم أبا "وأخرى كان يقول ـ وقد اقدم
في المعركة ـ : " انا النبي لا كذب .. انا ابن عبد المطلب
"نسب لجده لا لأبيه لشهرته به وللتعريف والتذكير فيما اخبرهم به الكهنة قبل
ميلاده ، وانه ان يظهر من بني عبد المطلب نبي فذكرهم بأنه ذلك المقول عنه لاللفخر
ولا للعصبية وقد قال صلى الله عليه وسلم : " انا سيد ولد آدم ولافخر ، وبيدي
لواء الحمد ولافخر ، وما من نبي آدم فمن سواه الا تحت لوائي وأنا أول شافع وأول
مشفع ولافخر"
بشائر ومعجزات
حملت السيدة آمنة بنت وهب الزهرية أكرم جنين ، وتوالت عليها
البشائر بفضل الله الذي أكرمه الله بها عندما اختارها لتكون اما لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ولقد اراد الله ان تظهر آيات نقلها رواة الحديث عن ولادته فقد ظهرت
آيات كثيرة عند مولده صلى الله عليه وسلم تدل على نبوته ورسالته .قال القاضي عياض
رحمه الله في الشفا : ومن ذلك ما ظهر من الآيات عند مولده وما حكته أمه ،
وما حكاه من حضره من العجائب ، وكونه رافعاً رأسه عندما وضعته شاخصاً ببصره إلى
السماء ، وما رأته أمه من النور الذي خرج معه عند ولادته حتى رؤيت منه
قصور بصرى ، وما رأته إذ ذاك أم عثمان ابن أبي العاص الثقفي من تدلي النجوم ،
وظهور النور عند ولادته حتى ما ننظر إلا النور ، وقول الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف
: لما نزل صلى الله عليه وسلم على يدي فأستهل أي عطس فسمعت قائلاً يقول : رحمك
الله ، وأضاء لي ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى قصور الروم .وروى
ابن جرير في تاريخه والبيهقي وأبو نعيم ، كلاهما في الدلائل ، والخرائطي عن مخزوم
بن هانئ عن أبيه قال : لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم ارتج فيها إيوان كسرى ، وسقطت منه أربع عشرة شرفة ، وخمدت نار فارس ولم تخمد
قبل ذلك بألف عام ، وغاضت بحيرة ساوة ، ورأى الموبذان إبلا صعاباً تقود خيلاً
عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم .وقد ولدت السيدة آمنة سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم الاثنين في شهر ربيع الأول من عام الفيل ولد في الشعب في الدار
المعروفة عند الصفا ، وقد كانت لمحمد بن أبي يوسف أخي الحجاج ، ثم بنتها زبيدة
مسجدا حين حجت .
وفاتها في الأبواء
اراد الله ان تكون وفاة السيدة آمنة في الأبواء ، وقدر له صلى الله
عليه وسلم أن يصاب بموت أمه كما أصيب بموت والده من قبل وهو لا يزال جنينا .قال
ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أم رسول الله صلى
الله عليه وسلم آمنة توفيت وهو ابن ست سنين في الأبواء بين مكة والمدينة، وكانت قد
قدمت به على أخواله ( أي اخوال جده عبد المطلب ) من بني عدي بن النجار
تزيره إياهم ، فماتت وهي راجعة به إلى مكة . ومر معنا ما قالت للنبي صلى الله عليه
وسلم وما سُمع من ُنَوْاح الجن عليها عند موتها. ولعلها قصدت أيضا زيارة قبر أبيه
عبد الله بن عبد المطلب.فعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع
أمه آمنة بنت وهب ، فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار
بالمدينة تزورهم به ، ومعه أم أيمن تحضنه ، وهم على بعيرين فنزلت به دار النابغة
فأقامت به عندهم شهرا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت في
مقامه ذلك.لما نظر إلى أطم ـ حصن ـ بني عدي بن النجار في المدينة عرفه فقال: كنت
ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذه الآطام ، وكنت مع غلمان من أخوالي نطير
طائرا كان عليه يقع. ونظر إلى الدار فقال: ههنا نزلت بي أمي ، وفي هذه الدار قبر أبي عبد
الله بن عبد المطلب ، وأحسنت العوم ـ السباحة ـ في بئر بني عدي بن النجار. وكان
قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه ، قالت أم أيمن: فسمعت أحدهم يقول: هو نبي هذه
الأمة وهذه دار هجرته . فوعين ذلك.ثم رجعت به أمه إلى مكة ، فلما كانوا بالأبواء
توفيت أمه آمنة بنت وهب ، فقبرها هناك. فرجعت به أم أيمن إلى مكة وكانت تحضنه .كان
صلى الله عليه وسلم وفيا لم ينس هذه الأم الرحيمة ، وشفقتها عليه فظل يذكرها حتى
بعد هجرته الى المدينة المنورة ، وقد زار قبرها في الأبواء ، ,استأذن ربه في زيارتها ، وبكى صلى الله عليه
وسلم ، ,أبكى من كان معه .رحم الله السيدة العظيمة آمنة بنت وهب ، فقد كانت من اهل
الفترة هي وأبوه عبد الله بن عبد المطلب ، والذين قال فيهم الله سبحانه وتعالى : {
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وجاءت الآيات المبشرات لرسول الله صلى الله عليه
وسلم :{ ولسوف يعطيك ربك فترضى }.