وقد عدّ الإمام السيوطي في أبوي النبي صلى الله عليه وءاله وسلم عدة مسالك في تبرئتهما ، منها ( مسالك الحنفا في والدي المصطفى ):
1 ـ المسلك الأول :
أنهما من أهل الفترة فلم تبلغهما دعوة أي نبي ، فعليه يكونان من أهل الجنة بدليل قوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) .
2 ـ المسلك الثاني :
أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما ابراهيم عليه السلام ، كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما ، وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة منهم الإمام فخر الدين الرازي .
وقال رحمه الله تعالى في أول السبل الجلية . هذا سادس مؤلف ألفته في مسالة والدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ونقل عن الأئمة توجيه نجاتهما على سبل :
السبيل الأول :
أنهما لم تبلغهما الدعوة خصوصا و قد ماتا في حداثة السن فان والده صلى الله عليه وسلم عاش من العمر نحو ثماني عشرة سنه ووالدته ماتت في حدود العشرين وحكم من لم تبلغه الدعوة أنه يموت ناجيا و لا يعذب ويدخل الجنة .
السبيل الثاني :
أنهما من أهل الفترة و قد ورد في أهل الفترة أحاديث أنهم موقوفون إلى ان يمتحنوا يوم القيامة فمن أطاع منهم دخل الجنه ومن عصى دخل النار و هذا السبيل نقل حافظ العصر أبو الفضل بن حجر عن بعضهم انه مشى عليه فيما نحن فيه ثم قال و الظن بآبائه صلى الله عليه و سلم كلهم الذين ماتوا في الفترة ان يطيعوا عند الامتحان لتقر بهم عينه صلى الله عليه وسلم .
السبيل الثالث :
إن الله أحياهما له صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به و هذا السبيل مال إليه طائفة كثيرة من الأئمة الحفاظ منهم الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي والحافظ أبو القاسم بن عساكر و الحافظ أبو حفص بن شاهين و الحافظ أبو القاسم السهيلي و الإمام القرطبي و الحافظ محب الدين الطبري والعلامة ناصر الدين بن المنير و الحافظ شمس الدين بن سيد الناس و نقله عن بعض أهل العلم و مشي عليه الصلاح الصفدى في نظم له و الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في أبيات له . و أخبرني بعض الفضلاء انه وقف على فتيا بخط شيخ الإسلام بن حجر أجاب فيها بهذا .
و قال السهيلي في أوائل الروض الأنف بعد إيراد حديث أنه صلى الله عليه وسلم سال ربه ان يحيى أبويه فأحياهما له فآمنا به ثم أماتهما ما نصه و الله قادر على كل شئ و ليس تعجز رحمته و قدرته عن شئ و نبيه عليه الصلاة و السلام أهل أن يختصه بما شاء من فضله و ينعم عليه بما شاء من كرامته و قد جعل هؤلاء الأئمة هذا الحديث ناسخا للأحاديث الواردة بما يخالف ذلك و نصوا على أنه متأخر عنها فلا تعارض بينه و بينها.
و قال القرطبي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل تتوالى و تتابع إلى حين مماته فيكون هذا مما فضله الله به و أكرمه قال و ليس إحياؤهما و إيمانهما به بممتنع عقلا و لا شرعا فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بنى إسرائيل و إخباره بقاتله و كان عيسى عليه الصلاة والسلام يحيى الموتى و كذلك نبينا صلى الله عليه و سلم و إذا ثبت فما يمتنع إحياؤهما و إيمانهما زيادة في كرامته و فضيلته صلى الله عليه وسلم .
السبيل الرابع :
انهما كانا على الحنيفية دين إبراهيم كما كان زيد بن عمرو بن نفيل و قس بن ساعدة و ورقة بن نوفل و أبو بكر الصديق رضي الله عنه و غيرهم وقد مال إلي هذا السبيل الإمام فخر الدين الرازى فقال ان آباءه صلى الله عليه وسلم كلهم إلى إلى عليه الصلاة و السلام كانوا على التوحيد انتهى تلخيص السبل الجلية وعد في المسالك السبيل الأول و الثاني مسلكا واحدا فكانت المسالك ثلاثة و من شاء بسط الأدلة فليرجع إلى الكتابين المذكورين و غيرهما من الكتب المؤلفة في هذا الشأن .
و من خصائصه صلى الله عليه وسلم فيما ذكره الغزالي أن الله خصه بطهارة النسب تعظيما لشأنه . و حفظ آباءه من الدنس تتميما لبرهانه . وجعل كل أصل من أصوله خير أهل زمانه .
كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري الذي يقطع بصدوره من فيه . بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه .
و قال عليه الصلاة و السلام انا أنفسكم نسبا و صهرا و حسبا . لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصطفى مهذبا . لا تتشعب شعبتان الا كنت في خيرهما فأنا خيركم نفسا و خيركم أبا .