Ads 468x60px

Social Icons

Social Icons

براءة الإمام أبي حنيفة رحمه الله

(( من كتاب الذخائر المحمدية )) للإمام السيد محمد علوي المالكي الحسني رحمه الله :

إظهار حقيقة ما ينسب إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في حق أبوي المصطفى صلى الله عليه وسلم وثبوت رجوع الملا علي القاري عن رأيه في حقهما ، كتب عن ذلك الشيخ مصطفى الحمامي في النهضة الإصلاحية ما خلاصته :

ظهرت رسالة منسوبة للشيخ ملاّ علي القاري بعنوان : "أدلة معتقد أبي حنيفة الإمام في أبوي الرسول عليه السلام" تكلم فيها عن والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً كان الواجب ألا يتكلمه لأن هذا الكلام يؤذي حضرة سيد الوجود مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنكر عظيم أن يؤذى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر أن درة ابنة أبي لهب مرت برجل فقال : هذه ابنة عدو الله أبي لهب ، فأقبلت عليه فقالت : ذكر الله أبي لنسابته وشرفه ، وترك أباك لجهالته ، ثم ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال : " لا يؤذين مسلم بكافر" معنى هذا لا تذكروا الكفار ذكراً يشمئز منه المؤمن ويتألم به وليس بكثير على المؤمن أن يُكرم حتى لا يتعرض لأقاربه الكفار تعرضاً يؤذيه ويغضبه ،وإذا كان هذا في أي مؤمن بالنسبة لأهله الكافرين فأولى ثم أولى أن يراعى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .فالأدب الإسلامي أن لا يذكر أهله صلى الله عليه وسلم الذين ماتوا على الكفر ذكراً لا يليق بقرابته صلى الله عليه وسلم فكيف بأبويه الكريمين العظيمين ؟.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وأبي هريرة ، وعمار ابن ياسر رضي الله عنهم أنهم قالوا:"قدمت درة بنت أبي لهب مهاجرة فقال لها نسوة :أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله (أي فيه) {تبت يدا أبي لهب}فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ،فخطب فقال :أيها الناس مالي أوذى في أهلي ،فوالله إن شفاعتي لتنال بقرابتي حتى إن حكماً ، وحاء وصدا وسلبها(أسماء قبائل) تنالها يوم القيامة بقرابتي"،وهذا الحديث نص في الموضوع .
فإنه صلى الله عليه وسلم اهتم بمسألة ذكر عمه أبي لهب بما ذكر ،حتى قام خطيباً بين الناس - ينهاهم عن مثل ذلك بقوله أيها الناس:مالي أُوذى في أهلي).
وإذا كان هذا غضبه من أجل أبي لهب ،وقد مات كافراً قطعاً ، فكيف يكون غضبه من أجل أبويه الكريمين العظيمين ،وقد ماتا على الفطرة ؟ كما سيأتي الكلام عن ذلك إن شاء الله.
إن غضبه صلى الله عليه وسلم لابد أن يكون عظيماً على من يشير أيَّ إشارة إلى إهانة حضرَتَيْ هذين الوالدين العزيزين اللذين أكرمهما الله إكراماً لا يضاهى بإكرام ،بإبراز سيد الوجود وصفوة الخلق صلى الله عليه وسلم .
ولا شك أن فاعل ذلك إنما تسبب في لعن نفسه وطردها من رحمة الله ، فإن ربنا يقول في كتابه :{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً}.
ولننتقل من هذا إلى الكلام عن هذه المسألة فنقول :
من الافتراء الفاحش على الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان (رضي الله عنه) أن يسند إليه أنه يعتقد أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ناجين يوم القيامة .
بل هما مع الكفار في نار جهنم خالدين فيها أبداً ، نعم ذلك افتراء عظيم على هذا الإمام العظيم ، وإذاً من الإفك أن تُعَنْوَن تلك الرسالة بهذا العنوان أدلة معتقد أبي حنيفة الإمام في أبوي الرسول عليه السلام)على أن معتقده فيهما أنهما كافران.
فإن قال القاريء : إن ملا علي القاري ، نقل في قي صدر هذه الرسالة : أن هذا قاله في كتابه الفقه الأكبر، ما نصه :"ووالدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر" وإذا كان هذا قوله في كتابه المنسوب إليه فكيف تسميه افتراءً عظيماً ؟
وأنا أقول :إن الذي قاله الرجل في الفقه الأكبر ليس ما ذكر .
بل الذي قاله ، ما نصه ووالدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتا على الفطرة وأبو طالب مات كافراً).
هذا الذي رأيته أنا بعيني في الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة -رضي الله عنه- رأيته في نسخة بمكتبة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ،ترجع كتابة تلك النسخة إلى عهد بعيد ،حتى قال لي بعض العارفين هناك إنها كتبت في زمن العباسيين ،وهذه النسخة ضمن مجموعة رقمها 330 من قسم المجاميع بتلك المكتبة .
فمن أراد أن يرى هذه النسخة من الفقه الأكبر بعينه فعليه بتلك المكتبة وهو يجدها هناك بهذا النص الذي نقلناه هنا.
ولا يظن القاريء أن رؤيتي هذه ترجع إلى عهد بعيد لا يظن هذا وليتأكد أنها كانت في موسم الحج الفائت (سنة 1354هـ)بينها وبين وقت كتابة هذا يوم الخميس 4جمادى الأولى سنة 1355هـ خمسة شهور وبضع شهر لأني كنت بالمدينة إلى أوائل شهر ذي الحجة من سنة أربع وخمسين.
ومن تأمل وجد أن النقل الذي بنسخة "ملا علي القاري" به بليتان :
البلية الأولى ، أنه كذب -يخالف النسخة القديمة التي مر ذكرها.
والبلية الثانية ،أن التدليس دخله فإن الذي يقرأ (وأبوطالب مات كافراً)بعد النص الذي نقله(ملا علي) يقول معترضاً حالاً :إذا كان والدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر وأبو طالب كذلك ، فكان حق الكلام أن يكون هكذا : "ووالدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طالب ماتوا كفاراً" لا أن يذكر كفر أبويه صلى الله عليه وسلم وحده ويذكر كفر أبي طالب عقبه وحده .
أما نسختنا هذه فواضح جداً ما بها من إفراد كفر أبي طالب ، فإن الحكمين حينئذ مختلفان فيذكر ما يقيد إيمان أبويه صلى الله عليه وسلم ثم ينص على كفر أبي طالب.
ولعل القاريء يتبادر إلى ذهنه أن لفظ (الكفر) الذي ينقله (ملا علي) حُرِّف عن لفظ (الفطرة) الذي بنسختنا التي نبهناك عليها ونقلنا لك هذا منها.
فإن اللفظين بينهما قرب ظاهر ، وهل هذا التحريف مقصود ؟
وهذه الرسالة باطلة من أصلها لأن صاحبها رجع عما كتبه بتلك الرسالة بما كتبه في شرحه على الشفا للقاضي عياض ، وكلامه هذا في موضعين من هذا الشرح .
الموضع الأول برقم 601 والموضع الثاني برقم 648 من طبعة استانبول الصادرة 1316هـ فأما الموضع الأول فذكر صاحب الشفا : "أباطالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو رديفه بذي المجاز عطشت وليس عندي ماء .فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بقدمه الأرض فخرج الماء ، فقال :اشرب.
قال بعد هذا (ملا علي قاري) ما نصه :
"قال الدلجي :الظاهر أن هذا كان قبل البعثة ،يعني فيكون من الإرهاصات ،ولا يبعد أن يكون بعد النبوة فهو من المعجزات ولعل فيه إيماء إلى أنه سيظهر نتيجة هذه الكرامات من بركة قدم سيد الكائنات في أواخر الزمان قريب الألف من السنوات عين في عرفات تصل إلى مكة وحواليها من آثار تلك البركات ، هذا وأبو طالب لم يصح إسلامه ، وأما إسلام أبويه ففيه أقوال . والأصح إسلامهما على ما اتفق عليه الأجلة من علماء الأمة كما بينه السيوطي قي رسائله الثلاث المؤلفة."
وأما الموضع الثاني ، فقال فيه الشيخ (رحمه الله) ما نصه :
"وأما ما ذكروا من إحيائه عليه الصلاة والسلام أبويه ،فالأصح أنه وقع على ما عليه الثقات من الجمهور كما قاله السيوطي في رسائله الثلاثة المؤلفة."اهـ
وبهذا فقد كفانا مؤلف الرسالة نفسها وهو الشيخ "ملا علي القاري" مؤنة الرد عليه برجوعه إلى الحق والصواب .
وهكذا كان العلماء الأكابر لا ينتظر منهم إلا الرجوع إلى الصواب إن أخطأوا ، والإنابة إلى ربهم إن عصوا ، والمبادرة إلى الكمال إن عوجوا إلى نقص ، والنهوض إلى الذروة إن سقطوا فيما هو أحط من ذلك المقام الأسمى.[